من المقرر أن تنطلق صباح اليوم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا المحادثات الثنائية بين رئيس جمهورية جنوب السودان الفريق أول سلفاكير ونائبه السابق وقائد التمرد الحالي الدكتور رياك مشار في أول اجتماع بينهما منذ اندلاع القتال بين قواتهما قبل خمسة أشهر. لقد قبل الطرفان هذا اللقاء لا عن قناعة ولكن نتيجة لضغوط عظيمة مارستها الولايات المتحدة عليهما وصلت درجة التهديد بفرض عقوبات على القيادات المتحاربة وربما وقف المعونات الاقتصادية واستنفار دول الجوار الإفريقي للمقاطعة أيضاً.
الولايات المتحدة هي الدولة التي لعبت الدور الأكبر في نشأة دولة الجنوب وهي التي دعمت الانفصال منذ أن كان فكرة وهي التي استغلت نفوذها لإنجاز اتفاقية السلام ومارست كافة الضغوط لإجراء الاستفتاء في موعده وكانت ترسم صورة ذهنية رائعة لمآلات الأحوال في جنوب السودان بعد استقلاله من الشمال ووقفت بكل قوتها وراء الدولة الوليدة ودعمتها مالياً ومعنوياً متجاهلة تماماً الصراعات الداخلية المحتدمة داخل المجتمع الجنوبي حتى إبان صراعه مع الشمال.
وربما لأن الولايات المتحدة استسلمت لهذه الصورة الوردية لدولة الجنوب التي ارتسمت في مخيلتها فإنها عمدت على تجاهل صراع السلطة والثروة الدائر بين النخب الجنوبية وربما -أيضاً- لم تكن تتوقع أن ينفجر الصراع بكل هذه الشراسة قبل أن تكمل الدولة الوليدة عامها الثالث، ولذلك كان رد فعلها بكل هذه القوة وهذا الانفعال الذي اقتضى أن يصل إلى جوبا وزير الخارجية الأميركي بنفسه لينقل الإنذار الأميركي الذي تضمنه الأمر الرئاسي بفرض عقوبات على القيادات الجنوبية المتصارعة، وذلك بفرض حظر السفر عليها وتجميد أموالها.
وعلى الرغم من أن الوزير الأميركي يدرك أن مثل هذا الضغط ليس له وزن كبير لأن القيادات الجنوبية التي تدير المعارك الحالية ليس لها أموال في أميركا فأموالها ربما كان بعضها في أوروبا ولكن أغلبها قطعاً في شرق إفريقيا إلا أن الطرفين قبلا الدعوة للحوار الذي من المقرر أن ينطلق اليوم أو غداً إرضاء لأميركا وستسعى أمريكا لتوسيع دائرة الضغوط عليهما عبر الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ودولتي كينيا ويوغندا.
ولكن الضغوط وحدها لن تحل أزمة جنوب السودان وغاية ما يمكن أن تحققه الضغوط هو الوصول إلى التزام ثنائي من سلفاكير وريك مشار بوقف المعارك وقد يتحقق ذلك ولكن القتال سيتجدد حتماً في مرحلة لاحقة إلا إذا تمت معاجلة الجذور الحقيقية للأزمة والوصول لمعادلة جديدة لاقتسام الثروة والسلطة، وهذا أمر صعب ومعقد.
الولايات المتحدة يجب أن تدرك أن سياسة الضغط أقل أثراً في معالجة النزاع الحالي لأن طابعه القبلي يخلق حلقة شريرة من الأفعال وردود الأفعال والأخذ بالثأر في مناطق ينتشر فيها السلاح غير الشرعي بصورة مكثفة ويملك فيها لوردات الحرب سلطة تفوق سلطة القيادات السياسية بل وجيش التحرير الذي يعتمد عليه سلفاكير ليس جيشاً نظامياً منضبطاً والجيش الأبيض لقبيلة النوير الذي يدعم ريك مشار لا يخضع عملياً لسلطته بل هو مليشيا منفلتة.
لو نجح اجتماع أديس أبابا في وقف إطلاق النار وتثبيت حالة وقف إطلاق النار فقد يخلق ذلك وضعاً قابلاً لمجهودات سياسية جديدة وستكون المهمة السياسية شاقة وعسيرة وتحتاج إلى صبر وإلى جهود مكثفة لكي تحقق نجاحاً وهي محادثات لا يمكن أن تقتصر على الطرفين المجتمعين الآن في أديس أبابا، وهناك قوى أخرى لابد من إلحاقها بالمفاوضات بدأ من مجموعة السياسيين الذين أطلق سراحهم مؤخراً من سجون جوبا وممثلي الولايات الاستوائية الذين مازال صوتهم غائباً وانتهاء بالقوى السياسية الجنوبية خارج الحركة الشعبية وزعماء القبائل.
إن المشكلة التي تواجه دولة الجنوب لا يمكن اختصارها في محادثات ثنائية بين سلفاكير ومشار وتخطئ أميركا كثيراً إن ظنت أن هذا اللقاء الثنائي هو الوصفة السحرية التي ستعالج الأزمة لكن أهمية هذا اللقاء تكمن في قدرته على الإسهام في وقف إطلاق النار وتثبيت ذلك الاتفاق على الأرض وهي المهمة العاجلة الآن، خاصةً أن الاتفاق على وقف العدائيات الذي تم توقيعه قبل شهور لم يلتزم به أحد وإذا نجح الاجتماع الحالي في تثبيت وقف إطلاق النار فإن الاتحاد الإفريقي هو الأقدر على رسم خريطة للمحادثات السياسية الشاملة في الجنوب.
——————————————-
محجوب محمد صالح
mahgoubsalih@maktoob.com