هناك علاقة تحتاج الي تدبر عميق ، وهي العلاقة بين تقديرنا للافكار والاعمال التي تصلنا من وراء حجاب الزمن او المكان ، ويتبعها مباشرة تقديرنا للشخص او الجماعة التي انتجتها ، هذا جميعه الطرف الاول في العلاقة ، والطرف الثاني هو ردة فعلنا عندما نلتقي هذا الشخص او الجماعة وجها لوجه ، وندير معه تفاعلا حواريا او معيشيا ، حينها يقفز الي السنة الكثيرين في وصف المفارقة بين تقديرنا لما هو محجوب عنا وتقديرنا لما هو بين ايدينا ، عبارات ترجح كفة هذا مرة وذاك مرة ثانية ، عبارات مثل ( أن تسمع بالمعيدي خير من ان تراه) و( المعاصرة حجاب) و( لا كرامة لنبي في وطنه) و( مغني الحي لا يطرب ) .
اظننا نستطيع ان نلمح هنا بسهولة ويسر أن طبيعة الانسان الثقافية والاجتماعية التي يدين بها الي ارثه الاجتماعي ، اقوي من كل عقل عنده يحسبه متجردا عن الاهواء ، فالمعيدي الذي يعده الجميع من النوابغ والافذاذ بموجب تعرفهم الي عقله وادبه وفكره من وراء حجاب ، يتحول حال التلاقي الي شخص آخر تماما ، تؤثر قامته وطولها ، وبشرته ولونها ، ونغمة صوتها ، وهيئة ملابسه ، ونظرات عينيه ، وطبيعة سلوكه التفاعلي ، في كل معارفنا عنه ، حتي نتجاهل فكره وادبه وعقله ، بل يرتد بعضنا مشككا في كل قراءاته وسماعه ( ومن ثم عقله المتجرد) لصالح ما يراه ويحسه حال المباشرة ، ويزعم من بعد لاتجاهه الجديد انه مدرسة فكرية جديدة .
ويلح علي خاطري هنا ، صورة رسول الاسلام محمد عليه السلام ، بين العظمة اللامحدودة بحد التي يزعم البعض انه يكنها له من وراء الزمان والمكان ، قياسا الي تلك الصور الموثقة عن وجهات نظر بعض من معاصريه ممن وصفوه بالجنون والكذب ، وممن قاتلوه وحاربوه واجتهدوا في ايذاءه ومن والاه ، فارجع البصر في كثير من ادعاءات معاصرينا ، متسائلا عن حقيقة مواقفهم لو أنهم عايشوا الرسول او التقوا به ؟ ، فقد كان يهود يبشرون بمقدمه ، وينذرون العرب ان زمانه الذي ازف سيكون فتحا للايمان والدين ، ووبالا علي الكافرين ، فلما بعث ، وتأكدوا هم من انه هو هو ، انقلبوا عليه كأشد ما يكون العداء والخصام ، فحدثت المفارقة الكبري بين التصورات الذهنية والتفاعل الاجتماعي .
في اجتماعنا الانساني السوداني هذا ، كم يا تري يستطيع كل واحد منا من ضرب الامثال من واقعه وواقع بلادنا عن هذه المفارقة ، بين عظماء يمشون بيننا ، لا يلحظهم احد ، وحقراء يتم رفعهم مكانا عليا بسبب من حجاب الزمن والمكان ؟
—————
عامر الحاج