لم يمهل الاقتتال الداخلي في دولة جنوب السودان الوليدة الجنوبيين للاحتفال طويلا بالانفصال عن السودان قبل ثلاثة أعوام، فجاءت ذكرى هذا العام في أجواء من الحزن وفقدان الثقة بقدرة هذه الدولة على البقاء والتوقع بانهيارها قريبا.
الاحتفالات التي عمت منذ أمس الثلاثاء شوارع مدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان في ذكرى الانفصال عن السودان لم تكن كاحتفالات العام الماضي. فالذكرى الثالثة للانفصال -التي تصادف اليوم 9 يوليو/تموز- تمر في أجواء اقتتال داخلي وأزمة سياسية في الدولة الوليدة.
في دولة جنوب السودان، لا يزال نحو أربعة ملايين شخص يعانون من المجاعة والآلاف يقبعون في مخيمات الإيواء داخل البلاد وخارجها، بسبب استمرار الحرب التي اندلعت في 15 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، إثر الخلاف السياسي بين جيل الاستقلال رفاق الأمس وأعداء اليوم الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار.
فبينما شهد ميدان الحرية في جوبا احتفالا رسميا بهذه المناسبة حضره المئات من المواطنين، كان شول لام يجلس بعيدا وهو يستمع إلى المذياع داخل إحدى قواعد الأمم المتحدة بجنوب السودان، وهو يرى أن المظاهر التي ظلت مألوفة طيلة العامين الماضيين قد اختفت.
يقول لام متحدثا للجزيرة نت إنه لا يرى أي وجاهة في هذه الذكرى، لأنه ظل والمئات من أمثاله داخل مقرات للأمم المتحدة بسبب عدم توفر الأمن والاستقرار، وهو ما يمنعه من العودة إلى منزله.
قصة شول لام واحدة من العديد من القصص التي تسرد مظاهر الحزن التي طغت مع مرور الذكرى الثالثة، حيث قتل الآلاف حتى الآن بسبب حرب لا علاقة لها بقضاياهم واحتياجاتهم اليومية.
فرص النجاح قائمة
ويرى وزير الخارجية بجنوب السودان برنابا مريال بنجامين بأنه رغم الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد، يتعين على شعب جنوب السودان التفاؤل بقدر كبير لإنجاح مفاوضات السلام بين حكومته والمتمردين بوساطة من منظمة الإيغاد.
وأضاف بنجامين متحدثا للجزيرة نت، أن الحكومة قد أنجزت العديد من المشاريع الخدمية المهمة، مثل المعمل الصحي المركزي، والذي يعد الوحيد في الدولة. مشيرا إلى أن هنالك حاجة أيضا لإزالة المخاوف والهواجس المتعلقة بمصير البلاد. وأضاف "بلادنا ستتخطى كل هذه الخيبات ولن تنهار، كما يعتقد البعض".
وأدت المواجهات العسكرية التي اندلعت نهاية العام الماضي بين القوات الحكومية الموالية للرئيس سلفاكير ميارديت وزعيم المتمردين نائب الرئيس المقال رياك مشار إلى مقتل الآلاف من المواطنين، حيث تميزت هذه المواجهات ببروز ظاهرة القتل على أساس عرقي بين قبيلتي الدينكا والنوير اللتين ينتمي لهما زعيما الطرفين.
واعتبر ألبينو أكول أتاك الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أن الأعوام الماضية من عمر الدولة تميزت ببطء عجلة التنمية في جميع النواحي، وتحديدا الخدمات وتحسين الوضع الأمني.
وقال أتاك للجزيرة نت إن المرحلة القادمة تتطلب تعزيز أسباب الوحدة بين الجميع وإقرار السلام وإجراء المصالحة الوطنية، والعمل بمبدأ قبول الآخر ونبذ النزعة الإثنية التي أصبحت تنتشر في أواسط الجميع.
انهيار الدولة
ومنذ اندلاع المواجهات العسكرية بين الحكومة والمتمردين يرى العديد من المحللين والمتابعين أن فرص ثبات وصمود الدولة الوليدة أصبحت ضئيلة، وأن ذلك يتطلب الاتفاق على برنامج سياسي لإنقاذ الدولة قبل انهيارها الوشيك.
ويرى هؤلاء أن استمرار الحرب وتزايد مطالب المجتمعات الإثنية بإدارة مواردها ومناطقها، وضعف الأجهزة الأمنية، مؤشرات رئيسية بضعف الدولة وعجزها وفشلها في إدارة البلاد.
ويعد الناشط المدني جون إيمانوئيل أن النتيجة النهائية لوضع البلاد الحالي هي دولة مستقلة رومانسيا وليست واقعيا.
وقال للجزيرة نت إن الحرب التي تدور حاليا ستنتهي، وإن "التسوية السياسية ستفضي في النهاية إلى بروز قادة سياسيين يعملون على تأمين مصالح دول الإقليم التي تورطت في الحرب الحالية".
وأضاف "لا يوجد استقلال وإنما الدولة الوليدة ستكون أداة ضمن أدوات العمل السياسي بين السودان وأوغندا".
وتتهم المعارضة المسلحة التي يقودها رياك مشار الحكومة اليوغندية بالتورط في الخلاف السياسي والعسكري الذي يقوده رئيسه السابق سلفاكير، بينما تقول حكومة جوبا إن مشاركة مليشيات سودانية في القتال إلى جانب المتمردين دليل قاطع على دعم الخرطوم لجماعة مشار المتمردة.
المصدر: الجزيرة نت