تشهد الساحة الفلسطينية تحركا تركيا حثيثا ولافتا على صعيد تمويل المشاريع الخيرية والثقافية والتراثية التي عاصرت عهد الدولة العثمانية إبان حكمها لفلسطين، كالمساجد و”سبل مياه الشرب للمارة” وغيرها.
آخر هذه الأنشطة على هذا الصعيد، إعادة الحكومة التركية ترميم وتأهيل سبيل الرفاعية الأثري في مدينة غزة القديمة، والذي يطلق عليه الفلسطينيون اسم “سبيل السلطان عبد الحميد الثاني” تقديرا له بعدما أعاد ترميمه عام 1900.
عودة تركيا بعد 114 عاما إلى تأهيل الصرح التاريخي ومرافقه ومده بالماء العذب المعالج لشرب المارة في مدينة غزة، يأتي في وقت لم تعد فيه 98% من مياه قطاع غزة صالحة للشرب، وأيضا تزامنا مع تنامي الدعم التركي للعديد من المشاريع الخيرية والثقافية والأثرية.
ويحظى الموقف التركي من القضية الفلسطينية بقبول شعبي ورسمي لا تخطئه العين في غزة من خلال تعليق الأعلام التركية على واجهات المحال التجارية وإطلاق الكثير من أصحاب المطاعم اسم تركيا أو عاصمتها على محالهم، ومن خلال عرض صورة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان مع صور أمير دولة قطر تميم ووالده حمد بن خليفة آل ثاني على معلقات كبيرة في مفترقات شوارع رئيسية بمدينة غزة، تقديرا لمواقفهم الساعية للتخفيف من آثار الحصار.
تعاطف فلسطيني
ومنذ وقوع مجزرة سفينة مرمرة واستشهاد تسعة من المتضامنين الأتراك على متنها جراء مهاجمة قوات الاحتلال الإسرائيلي للسفينة مطلع صيف 2010 أثناء إبحارها نحو غزة برفقة مئات المتضامنين العرب والأجانب لكسر الحصار عن غزة، حظيت تركيا بتعاطف فلسطيني دفع الحكومة في غزة إلى تشييد نصب تذكاري لشهداء السفينة في مينائها.
كما بادلت تركيا الفلسطينيين ذات التعاطف، وجعلت رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة أو التخفيف من حدته ضمن اشتراطاتها في محادثات إعادة العلاقات التركية الإسرائيلية المتردية منذ أحداث مرمرة.
وتأكيدا على عمق العلاقات التركية الفلسطينية، قال وزير السياحة والآثار في الحكومة المقالة علي الطرشاوي إن فلسطين يربطها بتركيا الدين والتاريخ وعلاقات القربى.
حفل الافتتاح
وكرر الطرشاوي شكره لتركيا وشعبها على ما يقدمونه من دعم ومساندة لفلسطين، معبرا عن أمله في كلمة له خلال مراسم افتتاح “السبيل” أن يكون هذا الأخير باكورة لسلسلة من المشاريع المشتركة للنهوض بالقطاع الأثري والسياحي في فلسطين.
أما السفير التركي في فلسطين مصطفى سارنتش فقال في كلمة له فور وصوله من رام الله في الضفة الغربية خصيصا للمشاركة في مراسم افتتاح السبيل، إنه “يشعر في داخله بعمق العلاقة التاريخية والثقافية بين تركيا والشعب الفلسطيني”.
وذكر سارنتش أن إعادة ترميم الأثر العثماني الذي يمتد عمره لأكثر من 500 عام يدل على عمق العلاقة التركية الفلسطينية، ووعد باستمرار مسيرة المشاريع التركية المتعددة في كافة المجالات بمدينة غزة وسائر المدن الفلسطينية.
سعي للمركزية
من جهته أكد أستاذ العلوم السياسية ناجي شراب أن تركيا تسعى لأن تكون دولة مركزية إقليمية في المنطقة العربية والإسلامية، لتحقيق مشروعها السياسي الداعي إلى تأسيس الخلافة العثمانية الجديدة عبر بوابة القضية الفلسطينية بكافة أبعادها الدينية والتاريخية والثقافية والسياسية.
وأضاف شراب أن إقدام تركيا على تأسيس العديد من المؤسسات الخيرية والإنسانية والثقافية وتقديم مزيد من المنح الدراسية في العامين الأخيرين في فلسطين عموما وغزة خصوصا، يتسق مع نهجها لترسيخ الدور التركي في المنطقة.
وأوضح أن تركيا تولي غزة اهتماما أكثر من غيرها لأنها تتعرض لحصار وحروب، ولكن ذلك لم يؤثر على ثوابت السياسية الخارجية التركية المتعلقة بالمحافظة على علاقاتها الإستراتيجية والتحالفية مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وذكر شراب للجزيرة نت أن تركيا تحاول بشتى السبل رفع الحصار عن غزة حتى يسجل لها هذا الموقف الذي يدعم من دورها المركزي والإقليمي.
وشدد على أهمية هذا الدور لتركيا، خصوصا بعد انحسار نفوذ حركة الإخوان المسلمين في مصر وتراجع دورها الإقليمي، وضعف النظام العربي في ظل الثورات والتحولات العربية.
المصدر : الجزيرة