قال الشاعر:
هذا كلامٌ له خَبيئٌ – معناهُ أنْ ليست لنا عقولُ
تعليقا على ما نقلته وسائط التواصل الاجتماعي من تصريحات منسوبة للفريق ياسر عطا (وقبله الفريق برهان) عن ضرورة “دمج” الدعم السريع في الجيش:
كلمة “الدمج” لا تعكس أي آلية محددة، وهي بهذا لا تعتبر مصطلحا إجرائيا يعبّر عن آلية بعينها، ما يعني أنها مفهوميّاً لا تزال تقبع في مرحلة دلالاتها اللغوية القاموسية، وليس الدلالات الاصطلاحية.
المشكلة هنا تكمن في الآتي:
أولا، إذا كان قادة الجيش يعلمون هذا، ولكن برغم علمهم هذا يصرون على استخدام كلمة “الدمج”، فهذا يعني أنهم يتلاعبون بالكلمات لأمرٍ هم يعلمونه، لكنهم يخفونه.
ثانيا، إذا كان قادة الجيش لا يعلمون هذا الأمر، فهذا يعني أمرا واحدا مؤكدا، ألا وهو أنهم عند التطبيق سوف ان يتفقوا على أي آلية لتنفيذه. السبب لعدم الاتفاق بسيط وواضح، ذلك لأنهم، في حال كانوا يجهلون النقطة الأولى، سوف يعملون على أن تكون الكلمة العليا للجيش، ذلك وفق منظورهم لما يعنيه الدمج عندهم. أما حميدتي فبالطبع سوف يعمل عكس ذلك بحيث لا تفقد أسرته سيطرتها على قوات الدعم السريع حتى لو كان هذا يعني فوقية قادة الدعم السريع من بيت عشيرته على الجيش.
وهكذا نرى أن جميع الاحتمالات تشير إلى استخدام كلمة “الدمج” ينطوي على مشاكل جمة جرّاء كونها مجرد كلمة غير معرّفة اصطلاحيّاً ولا تزال منكفئة على دلالاتها القاموسية العامة.
وكما أشرت إلى ذلك كذا مرة، المدخل الصحيح للحل يكمن في استخدام كلمات ذات دلالات اصطلاحية، وهي هنا: “نزع السلاح، والتسريح وإعادة الدمج” Disarmament, Demobilization and Reintegration (DDR)
هذه ليست مجرد كلمات منكفئة في دلالاتها اللغوية القاموسية، بل هي مصطلحات، ما يعني أنها تنطوي على إجراءات محددة بعينها، الأمر الذي يجعل منها آلية معروفة ومتفق عليها عالميا. وهي تتعلق تحديدا بطرفين ضمن عملية واحدة (يعني لا يمكن تطبيق هذه العملية في آنٍ واحد بين جيش دولة (طرف أول) وبين ثلاثة جيوش ثورية (أو مليشيات)، ذلك لأنه لا يمكن اعتبار هذه الجيوش الثلاثة جيشا واحدا، ذلك لأن اي واحد منها مستقل في قيادته عن الجيشين الآخرين. هذا أللهم إلا إذا خضعت الجيوش (أو المليشيات) الثلاثة لعملية DDR لتوحيدها قبل البدء في تنفيذ عملية DDR أخرى بينها وبين الطرف الأول. ولهذا لا بد من تحديد الطرف الثاني بطريقة عملية واضحة، ذلك طالما كان الطرف الأول محددا بطريقة عملية واضحة، كونه الجيش الرسمي للدولة. وتوضيح الطرف الثاني يعني، فيما يعني، تحديد قوته العسكرية، بشريا ولوجستيا، على ألأرض. بدون هذا، لا يمكن الشروع في تنفيذ أي إجراء من الإجراءات الثلاث.
ومسألة ترتيبها تعكس ذلك بوضوح! إذ تبدأ بنزع السلاح، ذلك حتى لا تخضع العملية للضغوط من الطرف المراد تسريحه و/أو إعادة دمجه.
النقطة الثانية مرحليا هي “التسريح” لأي شخصية غير مستوفية لشروط الجيوش النظامية. ثم أخيرا يأتي الدمج لمن هم مستوفون لشروط الخدمة في الجيوش النظامية.
MJH
الخرطوم – 23 فبراير 2023م
(1) هذه بعض نقاط أساسية حول الموضوع أعلاه مما درجت على تدريسه للطلبة ضمن مقرر “ثقافة السلام، فن التفاوض وفض النزاعات”, وهو مضمن في كتاب لي قيد الإعداد. MJH
محمد جلال أحمد هاشم
الخرطوم – 23 فبراير 2023م